
يُعتبر الحج من أعظم العبادات في الإسلام، وهو الركن الخامس من أركان الدين التي لا يكتمل الإسلام إلا بها لمن استطاع إليه سبيلًا. ومع ذلك، فإن القدرة المالية شرط أساسي لأداء هذه الفريضة، لقوله تعالى:
“وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” [آل عمران: 97].
وفي هذا السياق، يكثر التساؤل بين الناس حول حكم بيع الأرض أو العقار من أجل أداء فريضة الحج، خاصة لمن لا يملك مالًا يكفي لتغطية نفقات الحج.
القاعدة الفقهية في المسألة
أجمع العلماء على أن الحج لا يجب على المسلم إلا إذا توفرت لديه الاستطاعة المالية، أي ما يزيد عن حاجاته الأساسية، ومنها السكن والرزق المستقر له ولمن يعول.
1. هل يجوز بيع الأرض للحج؟
-
إذا كانت الأرض زائدة عن حاجته الأساسية (كأن تكون أرضًا موروثة لا يعتمد عليها في معيشته أو لا يسكنها أو لا يزرعها)، فهنا يُستحب بل يُثنى على من باعها لأداء فريضة الحج، ويُعد ذلك من المسارعة في الطاعات والتقرب إلى الله.
-
أما إذا كانت الأرض تمثل مصدر رزق أساسي له أو لأسرته، أو أنها سكناه الوحيدة، فلا يُطلب منه بيعها، بل لا يجب عليه الحج شرعًا في هذه الحالة لعدم تحقق شرط الاستطاعة.
2. آراء الفقهاء
-
المالكية والشافعية والحنابلة: لا يجب الحج على من لا يملك ما يزيد عن حاجاته الأصلية، كالمسكن ومصدر العيش. وبالتالي، لا يجب عليه بيع الأرض الضرورية للحج.
-
الحنفية: يشترطون أن يكون عنده نفقة الحج دون أن يضطر إلى بيع دار سكنه أو دابة يحتاجها، مما يعني أنهم يتفقون في الجملة مع بقية المذاهب.
العمل بالأفضل
إذا لم تكن الأرض ضرورية لحاجته أو مصدر رزقه، وكان يستطيع بيعها دون ضرر عليه، فإن بيعها للحج يُعد من العمل الصالح، وقد يُكتب له الأجر العظيم، خصوصًا إذا كانت هذه فرصة لا تتكرر في حياته.
أما إذا كان في بيعها مشقة أو ضرر عليه أو على أسرته، فله أن يؤجل الحج حتى يوسّع الله عليه، ويكون غير آثم، لأنه غير مستطيع.
خلاصة الحكم الشرعي
-
يجوز بيع الأرض إذا كانت غير ضرورية للمعيشة، بقصد أداء فريضة الحج.
-
لا يجب الحج على من لا يستطيع ماليًا دون بيع أرضه الأساسية أو مصدر رزقه.
-
من باع أرضًا زائدة عن حاجته وأدى بها الحج، فذلك خير عظيم يُرجى ثوابه عند الله.
أداء فريضة الحج أمنية عظيمة لكل مسلم، ولكن الإسلام دين يسر ورحمة، لا يفرض على عباده ما لا يطيقون. ومن باع ما لا يحتاج إليه من أجل الوفاء بهذا الركن، فقد أصاب خيرًا كثيرًا، ومن لم يستطع، فليعلم أن النية الصادقة مقرونة بالاستغفار والدعاء قد تفتح له أبواب الخير في المستقبل.
التعليقات